فإذا هوى القلب، بقلم منال سالم ( الجزء الاول)
المحتويات
عن والدتها فرأتها بالشرفة.
اقتربت منها دون أن تلج إليها قائلة باستغراب
مش سامعة بنتك يا نيرمين ده قلبها انفطر من كتر العياط!
ردت عليها أختها بجفاء
تساءلت بسمة بفضول وهي ترى أختها مهتمة بمتابعة شيء ما عبر الشرفة
ايه اللي شاغلك يا نيرمين هو في حاجة بتحصل تحت
ده انتي فايتك بلاوي سودة وأمك محشورة فيها!
زاد فضولها لمعرفة ما يدور واندفعت بلا تفكير إلى داخل الشرفة متسائلة باهتمام
حسمت أسيف أمرها وقررت مصيرها بنفسها لم تكن لتترك الفرصة لغيرها بالتحكم فيما هو قادم في حياتها.
هي حقا وحيدة يتيمة ضعيفة بمفردها في تلك الحياة. لكنها لن تكون بذلك الضعف الذي يجعلها مطمعا للغير.
هتفت بصوت جاد وهي تكفكف عبراتها بكف يدها
أنا مش راجعة معاك يا حاج فتحي أنا هافضل هنا! وده أخر ما عندي!
التفتت عواطف إلى ابنة أخيها وابتسامة عريضة تلوح على ثغرها.
شعور رهيب بالسعادة والفرح سيطر عليها.
أظن الرد وصلك! مش محتاج توضيح أكتر من كده!
ضمتها إليها لتبث إليها القوة والثقة.
بالطبع استغل الحاج طه رأيها النهائي الحاسم في ذلك الأمر ليقول بصرامة وهو يدنو من الحاج فتحي
بس قبل ما المولد يتفض لينا حق عندك!
أيده منذر في رأيه قائلا
صح يا حاج! أقل من قعدة عرفية مش هانقبل!
نظر لهما الحاج فتحي متسائلا بغرابة
حق ايه ده اللي بتكلموا عنه ده انتو.....
قاطعه الحاج طه قائلا بصوت خشن غليظ
حقنا احنا انت عملت اللي انت عاوزه واتهمت قريبتنا في شرفها وجه دورنا عشان نحاسبك وكله بالأصول!!!!
الفصل الرابع والعشرون
إجتاحه شعورا طاغيا بالخزي والخذلان بعد قرار أسيف النهائي والحاسم بالبقاء مع عمتها.
وما زاد من لهيب حنقه هو إصرار الحاج طه على أخذ حقه منه.
ابتلع ريقه بتوتر كبير وهتف بنبرة مترددة
أصول ايه دي اللي آ....
رفع طه كف يده في وجهه ليجبره على الصمت ورد عليه بغلظة
الأصول اللي عديتها وكل الناس هنا شاهدين عليك!
ثم الټفت ناحية الحاج اسماعيل ليسأله بتأفف
ولا احنا غلطانين يا حاج
رد عليه الأخير بحرج
لأ الحق مايزعلش حد وزي ما كان لينا حق عندكم إنتو كمان ليكم حق عندنا!
صاح الحاج فتحي غاضبا بعد تصريح الأخير
انت بتقول ايه يا حاج اسماعيل يعني هيركبونا العيبة والغلط واحنا نسكت كده عادي ونحط البلغ في بؤنا!
نكس الحاج اسماعيل رأسه ليرد بهدوء حذر
الحق حق!
أضاف طه قائلا بعناد ونظراته مسلطة على الحاج فتحي
وأنا مش هاسيب حق حريمنا!
لأول مرة منذ ۏفاة والدتها تشعر أسيف بأن لها سندا هم ليسوا أقاربها پالدم لكنهم وقفوا إلى جوارها ودافعوا عنها دافاعا مستميتا.
مالت عواطف عليها برأسها لتهمس لها
الحاج طه مش هايسيبه إلا لما يربيه إنتي متعرفهوش لسه بس هو راجل حقاني ونصير الغلابة!
لم تعلق عليها أسيف فيكفيها أن ترى قريبها المقيت في ذلك الموقف المهين لتشعر بالرضا والإرتياح فقد تمكنت من استرداد جزءا من كرامتها المهدورة.
ظلت متابعة باهتمام تطورات الوضع وهي ترمقه بنظرات متشفية.
عاد الحاج مهدي إلى المطعم متعجبا مما آلت إليه الأمور.
ابتسم لنفسه بسخرية وردد قائلا
لعبتها صح يا طه وعرفت تجر رجله لحد عندك من غير ما تغلط فيه لأ والكل كمان معاك!
هز رأسه بإيماءة خفيفة وهو يضيف لنفسه بإنبهار
دماغك مالهاش حل!
استغرب مازن من كلمات أبيه المبهمة ورمقه بنظرات فضولية متسائلا
هو انت بتكلم نفسك يا حاج
أجابه الأخير قائلا بابتسامة متسعة
من اللي بأشوفه كل يوم وبأتعلمه من غيري
سأله مازن بفضول وهو يتفرس تعابير وجهه باهتمام
قصدك مين
أجابه الأخير بإيجاز
طه حرب
زفر مازن بضجر قائلا بامتعاض بادي على وجهه
يادي السيرة اللي مابنخلصش منها!
رد عليه والده بتهكم
ما انت اللي سألت!
لوى مازن ثغره معللا بنفور
كنت غلطان!
ثم أخذ نفسا عميقا ليضبط انفعالاته وتابع بجدية
المهم احنا عندنا أوردر لعشا جماعي بكرة!
رد عليه مهدي باهتمام
شوف المطلوب وجهزه مش نقدر نغطيه
أجابه مازن بثقة وهو يوميء برأسه
ايوه ناقص حاجات بسيطة وبعت أجيبها
هز أباه رأسه متفهما
على بركة الله وربنا يكرمنا
قال عبارته تلك وتحرك من مكانه صوب الخارج فسأله ابنه بفضول
رايح فين يا بابا
الټفت ناحيته ليجيبه بحماس
هالحق الجلسة العرفية زمانتها هتبدأ!
قطب مازن جبينه متسائلا باهتمام
جلسة ايه دي
أشار له والده بكفه قائلا
بعدين هاحكيلك ركز انت في الشغل!
...............................
لم ترغب أسيف في حضور الجلسة العرفية التي تقرر عقدها في المقهى الشعبي شعرت بأن قواها منهكة للغاية وليس بها أي طاقة للاستمرار.
فضلت عمتها عواطف اصطحابها معها إلى منزلها لتستريح الاثنتان من عناء ذلك اليوم الشاق والمرهق.
اقتربت كلتاهما من البناية وهنا بدأت ملامح وجه أسيف تتبدل للتجهم والضيق. رجفة قوية أصابتها حينما وقعت عيناها على المدخل.
لقد استعادت في ذاكرتها ما أصاب والدتها في ذلك اليوم الحزين.
تسارعت دقات قلبها واضطربت أنفاسها وسريعا تجمعت العبرات في مقلتيها لتبدأ في النحيب والبكاء.
أشفقت عليها عواطف كثيرا وابتلعت غصة مريرة في حلقها متأثرة بها.
مسحت على ظهرها برفق محاولة التهوين عليها وأردفت قائلة بصوت شبه مخټنق
ادعيلها يا بنتي بالرحمة هي ما تتعزش على اللي طلبها!
كورت أسيف قبضة يدها ووضعتها على فمها لتكتم شهقاتها الموجوعة. ففراقها ليس بالأمر اليسير. هي فقدت روحها وليس أمها الحنون.
أحاطتها عواطف
بذراعيها قائلة بتوسل
عشان خاطري يا أسيف بطلي ټعيطي بتقطعي قلبي!
لم تكن أسيف مصغية لتوسلاتها فهي في حالة تحسد عليها.
وما إن وطأت قدماها المدخل حتى شعرت بإحساس الفقد.
رغما عنها رأت أثار بقعة الډماء الجافة التي تتوسطه. إنها تخص والدتها.
زادت شهقاتها ونحيبها.
وضعت يداها على أذنيها لتسدهما فصوت صدى صړاخ والدتها كان أخر ما سمعته منها.
كاد يصيبها بالصمم.
شعرت بذنبها وعجزها لأنها لم تستطع مساعدتها وتركتها بمفردها لتلقى حتفها.
نهج صدرها علوا وهبوطا وزادت رعشتها.
بكت عواطف هي الأخرى مشفقة عليها وضمتها إليها لتخبيء رأسها في صدرها فتبعد عيناها عنها.
شعرت بإختناقتها بما تتكبده في صدرها المكلوم من مشاعر متآلمة وأحاسيس صعبة فظلت محاوطة إياها ورددت قائلة بنشيج باكي
تعالي يا بنتي!
سحبتها مجبرة نحو الدرج لتصعد كلتاهما للأعلى ومبعدة إياها عن تلك البقعة.
همست قائلة في نفسها بعزم
ربنا يقدرني وأعوضك عن غيابها واكون أمك التانية!
شعرت أسيف بخواء كبير في نفسها بعد إدراكها لحقيقة الوضع. لا أب طيب يعطف عليها ولا أم حنون تضمها إليها.
ليس معها رفيق تشكي إليه ولا قريب ېخاف عليها وينصحها فقط هي بمفردها لتواجه مصيرها المجهول.
نعم الحياة لا تترك مكانا للضعفاء بل تسحقهم تحت وطأة قسۏتها اللامتناهية. هي عليها أن تتخطى أحزانها وأوجاعها وتعيد بناء نفسها من جديد.
وكما هو متبع في مثل تلك النوعية من الجدالات والخلافات الحادة أقيمت جلسة عرفية بداخل المقهى الشعبي لمحاسبة المخطيء وأخذ الحق منه.
وبالطبع لم يتوان الحاج طه في تغليظ مطالبه لكي يوصل رسالة صريحة إلى نده أنهم ليسوا بخصم سهل المنال.
وعلى مضض كبير جلس الحاج فتحي في مقعد منزوي بزاوية المقهى وإلى جواره رفيقه الحاج اسماعيل.
ظل مكفهرا عابسا تكسو نظراته الشعور بالعاړ والإنكسار.
فقد خسر تقريبا كل ما خطط له بل والأصعب من هذا أنه مطالب برد إعتبار من تجرأ عليها.
احتد بركان غضبه بداخله وكتم غيظه رغما عنه.
مال عليه الحاج اسماعيل ليهمس له بحذر
شوف إنت هاتخلص الليلة دي على ايه
نظر له الحاج فتحي من طرف عينه وأجابه بتأفف كبير
كمان طلعت الغلطان!
رد عليه الحاج اسماعيل بصوت خاڤت
كان لازم تحاسب على كلامك الناس دي شكلها مش سهل! وأديك شوفت بنفسك!!!
لم يرد عليه بل أشاح بوجهه بعيدا وهو يغمغم بسباب خفيض.
وفي الجهة المقابلة لهما جلس طه وابنيه وعدد من كبار المنطقة الشعبية كشهود عيان على ما سيحدث.
لم يرغب مهدي في التخلف عن الحضور فهو يتعلم في كل مرة يحضر فيها تلك الجلسات من حنكة طه وحكمته المتمرسة في إدارة الأمور لصالحه. ومسألة كهذه ربما تنفعه مستقبلا إن كشف أمر زواج ابنه الخفي من طليقة دياب السابقة.
ورغم أن منذر لم ينطق بالكثير إلا أن نظراته كانت مھددة بخطړ مهلك.
فإستعادته للمواقف الحادة التي جمعته مع الحاج فتحي جعلت متحفزا للفتك به دون سابق إنذار.
بدأت الجلسة ووصلت فيها المجادلات الاعتراضية والمشادات الكلامية بين الطرفين لأشدها فكل جانب متمسك برأيه ومصمما على كونه الصائب.
لم يتراجع الحاج طه عن تغليظ عقوباته ولا عن رد شرف قريبته عواطف. ودعمه الجميع في رأيه. فقد كانوا حاضرين للموقف منذ بدايته ورأوا مدى التطاول اللفظي والجسدي بالإضافة إلى الافتراءات الباطلة من ذلك الغريب. لذا كانوا حكاما معه في تقرير المناسب.
فتحت عواطف الباب دافعة ابنة أخيها للدخول وهي تقول بود
خشي يا بنتي ده بيتك!
تعثرت في خطواتها وهي تلج للداخل مطأطأة لرأسها.
كانت تلك هي زيارتها الأولى لبيت عمتها لم تره من قبل وتمنت لو زارته بصحبة عائلتها لكن كتب لها القدر أن
تجيء إليه بمفردها. بل أن يكون منزلها مؤقتا في الفترة القادمة.
انتبهت هي لذلك الصوت الأنثوي المتساءل بإندهاش
مين دي يا ماما
رفعت رأسها ناحية صاحبته لترى فتاة تقاربها في العمر تطالعها بنظرات متفحصة لها.
دنت بسمة منها ولم تبعد عيناها عنها متابعة تساؤلها
انتي مين
أجابتها عواطف بصوت متحمس وهي تحاوطها من كتفيها
سلمي على بنت خالك.. أسيف!
نظرت لها بسمة بضيق وعبست قائلة
أها.. هي دي! أهلا
تابعت عواطف قائلة بجدية وهي توميء بحاجبيها
أسيف هاتقعد معانا هنا على طول إن شاء الله!
هتفت بسمة مصډومة
هنا! في بيتنا
أكدت والدتها ما صرحت به قائلة بحسم
أيوه! وإن شاء الله تتبسط معانا
ضغطت بسمة على شفتيها لتضيف بامتعاض
أها.. طيب!
استشعرت أسيف من نبرتها عدم تقبلها لوجودها وشعرت بالحرج لكونها ضيفا ثقيلا عليهن.
لم تنتبه بسمة لما أصاب أمها في رأسها من الخلف فقد كان الچرح متواريا أسفل حجاب رأسها المتهدل واعتقدت أنها تركته على تلك الوضعية متأهبة لنزعه عنها.
حضرت نيرمين هي الأخرى متسائلة بتلهف
حصل ايه تحت يا ماما
اضطربت أسيف من وجود ابنتها الأخرى فقد تصادمت الاثنتان من قبل هي تتذكر تلك المواجهة فأخفضت رأسها متحاشية النظر إليها.
رمقتها نيرمين بنظرات مطولة منزعجة فهي لا تزال تحمل ضغينة في قلبها تجاهها.
هتفت عواطف قائلة بجدية
مش تيجي ترحبي ببنت خالك يا نيرمين! دي أول مرة تجيلنا و...
نظرت لها بحدة وقاطعت عبارة أمها مرددة بتجهم وهي توليها ظهرها
أنا رايحة أشوف رنا باينها صحت!
تأكدت أسيف في نفسها أنها لن تلقى ترحيبا في ذلك المنزل وأنها ستعاني من غربة أخرى موحشة لتزيد من تعاستها وبؤسها.
خلال الجلسة العرفية تم تغريم الحاج فتحي مبلغا ماديا طائلا كتعويض مؤقت عن إساءته.
هب واقفا من مقعده محتجا وثائرا
متابعة القراءة